قانون الأحوال الشخصية... تعديله انتهاك وجريمة بحق النساء والأطفال

بعد موجة من التنديد والاستنكار التي أثارتها الناشطات والمنظمات النسائية في أعقاب تغيير قانون الأحوال الشخصية في العراق والتي كان سيعمق المشاكل الاجتماعية ويزيد المخاوف على حقوق النساء أصدرت المحكمة الاتحادية العليا أمراً بإيقافه.

مالفا محمد

مركز الأخبار - واجهت التغيرات التي أجراها البرلمان العراقي على قانون الأحوال الشخصية، تنديد واستنكار من قبل المنظمات المدنية والإنسانية والحقوقية والتنظيمات النسوية، ويرى الشعب العراقي أن هذه التعديلات ستنتج كوراث إنسانية ويعتبرها انتهاك بحق النساء والأطفال، لذلك أصدرت المحكمة الاتحادية العليا أمس الثلاثاء 4 شباط/فبراير، أمراً بإيقافه.

شهد العراق في الآونة الأخيرة اخفاقات على الصعيد السياسي والاجتماعي، فمؤخراً قام البرلمان بتمرير مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية من خلال صفقات سياسية بين الكتل المهيمنة، والذي تم إيقاف تمريره فيما بعد، الأمر الذي يعكس هيمنة المصالح السياسية الضيقة على القوانين التي من المفترض أن تعزز العدالة الاجتماعية وتحمي حقوق المواطنين، وهو ما يهدد الأمن المجتمعي ويزيد من المخاطر القانونية، ومن المحتمل أن يؤدي إلى تراجع حقوق المرأة والطفل، وتقويض مكتسباتها القانونية.

وعن الوضع الاجتماعي العراقي تقول الصحفية والناشطة العراقية أفراح شوقي أنه "في الآونة الأخيرة تشهد النساء في العراق العديد من الأزمات التي تأثر سلباً على أوضاعهن، ومن إحدى أبرز الصعوبات التي تواجههن هي التغيرات التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية خلال جلسة غريبة في البرلمان العراقي".

وأوضحت أن "العراقيات بذلن جهداً كبيراً لإقرار بعض القوانين التي تحمي حقوقهن، وتعمل على بناء حياة مشتركة بين الجنسين، لكن البرلمان العراقي الذي لا يمثل بالأصل كافة شرائح المجتمع ولم يأتي بشرعية كاملة، يعمل على تنحيات خطيرة عبر توافقات سياسية لتعديل القوانين التي لا تخدم مصالح الشعب والمرأة بشكل خاص". 

وأشارت إلى أن الجلسة البرلمانية الأخيرة بشأن قانون الأحوال الشخصية أثارت الجدل بين كافة الأوساط وخاصة النسائية "تعد جلسة تغيير الأحوال الشخصية اسوأ جلسة في البرلمان العراقي من الناحية التنظيمية حيث أثارت الجدل والاعتراضات، كما أن هناك عدم توضيح بالتوافق في التصويت على القرارات التي اتخذت خلالها، ويوجد تشويش في عمل النواب".

 

البرلمان العراقي يعمل وفق مصالح حزبية وسلطوية

ولفتت الانتباه إلى الاعتراضات التي شهدها مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي "قامت العديد من المنظمات النسائية في المجتمع المدني بالتكاتف ضد هذا القرار، ونددت به عبر العشرات من البيانات التي توضح سلبيات هذا القانون، كما انعقدت العديد من الندوات والحوارات لنقاش سلبيات هذا القرار وتأثيره على المجتمع، فكانت هناك حركة إيجابية من قبل منظمات المجتمع المدني، التي ضمت الكثير من المنظمات الحقوقية والنسوية بهدف توحيد الصفوف والتصدي للمحاولات التي تسعى إلى طمس حقوق المرأة، وتمكنوا من إيقاف تمريره مؤقتاً".

وأكدت على أن النساء اللواتي تتواجدن في البرلمان لم تمثلن القوة الحقيقية للمرأة العراقية "نحن على العلم بأن الكثير من البرلمانيات استطعن الحصول على المقاعد في البرلمان عبر دعم حزبي أو تكتلي، ولكنهن لا تمتلكن  الصفات التي تحمي حقوق النساء، فقط تسعين إلى تطبيق رأي أحزابهن، فالشعب يعرف بأن النساء المتواجدات في البرلمان لن تمثلنه".

وأضافت "البرلمانيات العراقيات لا تمتلكن رؤية نسائية جيدة، تعود أفكارهن إلى الذهنية الذكورية المطلقة في التمييز وعدم احترام عقلية المرأة وكيانها وقدراتها، ليس لدى الشعب أمل، ومع الأسف تكرر ذلك في أكثر من دورة برلمانية".

 

لم يعر البرلمان العراقي أذن صاغية للاعتراضات

وعن المرحلة التي تم فيها إصدار القرار المعارض لمصلحة الشعب تقول "التصويت لقرار تغيير قانون الأحوال الشخصية لم يكن مفاجئ، ولكن منذ فترة وجيزة كان يعمل البرلمان على تحضيرات لتقديمها في البرلمان من أجل قراءتها الأولى والثانية، لكن لمن يريد أن يتابع كيف أقيمت الدراسات السابقة سوف يصيبه الذهول من مستوى الأداء المتردي بمجلس النواب، لأنه كان هناك جدل كبير بعدم التطبيق وفي الأخير طبقت هذه التعديلات من قبل رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني، حيث تقصد التغافل عن الآراء الرافضة لهذه التعديلات، وتوجه نحو الاستماع لبعض البرلمانيين المؤيدين لهذا القرار".

وفي سياق حديثها أشارت إلى النشاطات والفعاليات التي تم تنظيمها عقب التغييرات التي حصلت في القانون "انعقدت العديد من الندوات والاجتماعات والوقفات الاحتجاجية الرافضة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، والتي لا تحمي حقوق المرأة والمجتمع العراقي"، لافتةً إلى أنه "رغم ذلك لم يعر البرلمان العراقي أذن صاغية لهذه التنديدات، وهناك العديد من البيانات وصلت إلى المنظمات الإنسانية الدولية التي حذرت البرلمان العراقي من أي تغيير حول قانون الأحوال الشخصية، التي ستؤدي إلى نتائج وخيمة، لكن صم مجلس النواب أذانه لسماع تلك النداءات، وأصروا على تمريره ضمن سلة واحدة وهذا مخالف للدستور في جلسة غريبة خلت من الشرعية".

وتابعت "شهد تغيير القانون الكثير من الاعتراضات من قبل النواب الذين احتجوا أثناء انعقاد الجلسة، وقد قوبلت الجلسة باعتراض دولي، ونظمت الجالية العراقية في فرنسا الكثير من الفعاليات الرافضة لهذه التعديلات".

 

التعديل كان سينتهك كافة الحقوق المشروعة للنساء

وشددت افراح شوقي على أن التغيرات التي حصلت على قانون الأحوال الشخصية "هي في جوهرها تتجه نحو منحى طائفي مقصود وتعمل على التفرقة بين الكيان العراقي، كما يتيح الفرصة لعقود زواج على المدخل الديني وهذا أول توجه طائفي، وإذا بحثنا عن هذه العقود المذهبية سيتبعها تأثيرات على حقوق المرأة من ناحية حضانتها لأطفالها".

وعن المخاوف التي تضفيها هذه التغيرات على حقوق المرأة والطفل قالت "هناك مشكلة في سن الزواج لأنه في بعض المذاهب يتيح الزواج من سن 9 سنوات وهو مذهب الجعفري، إضافة إلى أن الأب له حق الحضانة بعد سنتين لكن الطفل في عمر السنتين لا زال يريد أن يبقى في حضن أمه ولا يوجد شيء أكثر أهمية غير ذلك بالنسبة له، وهذا سيحرم الكثير من الأمهات من أبنائهن في سن مبكر، وسيشكل دماراً كبيراً في المجتمع  بدلاً من حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، حتى أنه يحرم النساء من حق الإرث".

 

العادات والتقاليد البالية تعيق ممارسة القوانين العادلة

وشددت أفراح شوقي على أن "العادات والتقاليد العرفية البالية لها دور كبير في عقود الزواج، بعد عقد القران في المحاكم يتوجهون إلى شيخ العشيرة وهو ليس بخيار بل عرف فرض على الأهالي، هذه هي صيغة المجتمع العراقي، فهناك دور كبير لشيخ العشيرة ورجال الدين في اتخاذ القرارات الاجتماعية، فاللجوء إلى المحاكم لا يلغي دور تأثير العشيرة".

وبينت بأنه على الحكومة عندما تلجأ إلى تغيير القوانين من المفترض أن تكون لصالح المجتمع، وأن يتعامل القانون بعدالة مع الجميع، منتقدة البرلمان العراقي الحالي الذي عمل على إضعاف دور القانون والمحاكم القضائية، فقد أعطى قانون الأحوال الشخصية المعدل الذي تم التراجع عنه أهمية وأولوية لرأي رجال الدين أكثر من القضاة.

وفي ختام حديثها قالت الصحفية والناشطة أفراح شوقي "أشد على أيدي النساء اللواتي ترفضن أية قوانين أو تعديلات أو قرارات أو تعليمات تقلل من شأنهن وتعيق فرص العمل أمامهن، وادعوهن إلى التكاتف ووحدة النضال، والتعرف على حقوقهن في القانون والدستور والعمل على حمايتها، ومتابعة طريق اللواتي ناضلن في سبيل ضمان حرية النساء".